العقل و المنطق
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 لمعتقدات العبرانية أو اليهودية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
mahaibia
عضو فعال
عضو فعال



المساهمات : 108
تاريخ التسجيل : 23/03/2008

لمعتقدات العبرانية أو اليهودية Empty
مُساهمةموضوع: لمعتقدات العبرانية أو اليهودية   لمعتقدات العبرانية أو اليهودية I_icon_minitimeالسبت مارس 29 2008, 00:59

لمعتقدات العبرانية أو اليهودي
ة

يتميز اليهود باعتبارهم الشعب الوحيد في العالم، الذي حافظ على وحدته القومية على مر العصور، وذلك بالرغم من كل ما تعرض له من حملات الاقتلاع والتشتيت ومحاولات الاستئصال. وقد تحققت هذه الوحدة بالخصوص، بالإلتفاف حول كتاب سماوي هو التوراة التي تنسب إلى النبي موسى، وما أضيف إليها من كتب وأسفار أخرى ألفها وجمعها الرهبان والأنبياء الذين جاؤوا بعده لاحقا، تحت إسم الميشنا.

فالتاريخ اليهودي كما تحكيه النصوص العبرية، يعود حتى القرن الثامن عشر ق.م. وإذا كانت النقوش الأثرية المكتشفة مؤخرا في شكل ألواح طينية تعود للبابليين أو الأشوريين أو الكنعانيين ، أو في معابد وبنايات الفراعنة، تؤكد حقيقة وجود بعض الأسماء والأماكن التي ذكرتها التوراة، فإن أحداثا عديدة من التي أوردتها هذه الأخيرة لا يوجد هناك أي شيء لحد الآن، يثبت حدوثها فعلا في التاريخ. فالرواية العبرية تحكي أن أصل العبرانيين أو العبريين، الإسم القديم لليهود، يرجع إلى إبراهيم بن ناحور الذي عاش في العراق في عهد الملك البابلي النمرود حوالي القرن الثامن عشر ق.م. ومن هناك هاجر إلى بلاد كنعان حيث توجد لبنان وفلسطين حاليا، بعد أن وعده إلهه بمنحها له ولعشيرته. و يعتقد أن العبرانيين الذين ورد اسمهم في النقوش القديمة تحت اسم عبيرو، هم من قبائل الرعاة السامية التي كانت تنتقل على طول الخط ما بين العراق ومصر، سواء للبحث عن مراعي جديدة أو للتجارة أو للإغارة على طرق القوافل و المناطق المجاورة. وفي هذا الإطار يمكن فهم مجيء إبراهيم حتى مصر مع الحملة التي قام بها الهكسوس على هذه الأخيرة، ثم بعده يوسف وإخوانه الآخرين. كما يعتقد أن موسى الذي ظهر في مصر حوالي القرن الثاني عشر ق.م، ينتمي إلى إحدى القبائل العبرانية التي استقرت في مصر منذ ذلك العهد. وإذا كان اليهود قد عاشوا مرحلة مشرقة في علاقتهم بالفراعنة في أول الأمر، فإن وضعهم الاجتماعي قد تدهور لاحقا مما جعلهم يثورون ويفرون من مصر تحت قيادة موسى، الذي قادهم نحو فلسطين، الأرض التي سبق وأن وعد بها الله جدهم إبراهيم وأبناءه من اسحق ويعقوب.

بعد أن انتصر اليهود على الكنعانيين، السكان الأصليين في المنطقة، وعلى الفلستينيين كما في قصة شامشون ودليلة، الذين يعتقد أنهم جاؤوا من جزر شرق المتوسط ، بسطوا سيطرتهم تدريجيا على المنطقة إلى أن أقاموا دولتهم الخاصة تحت حكم القضاة أولا، ثم حكم الملك شاوول. وبعده جاء داوود الذي شيد مدينة أورشليم أو مدينة السلام أو القدس. ثم جاء ابنه سليمان حوالي القرن التاسع ق.م، والذي بلغت الدولة العبرية في عهده أوجها أو مرحلة العصر الذهبي كما يظهر ذلك مثلا في علاقة هذا الأخير مع بلقيس ملكة سبأ اليمنية، و هو ما لم يعرف له اليهود مثيلا في تاريخهم حتى قيام دولة إسرائيل في العصر الحالي. بعد موت سليمان انقسمت الدولة إلى مملكتين: مملكة إسرائيل في الشمال، والتي كادت أن تذوب وتندمج في المجتمع الكنعاني، أو في الدولة الأشورية القوية آنذاك في بلاد الشام، ثم مملكة يهودا في الجنوب التي حافظت على استقلالها وعلى المعتقدات اليهودية بمساعدة الأنبياء ورهبان الهيكل الكبير الذي سبق وأن بناه سليمان. غير أنه في سنة 597 ق.م، قام الملك البابلي نبوخذ ناصر بغزو أورشليم وتدمير الهيكل وسبي اليهود ونقلهم إلى بابل في العراق، واضعا بذلك الحد للدولة اليهودية. غير أنه لحسن حظ اليهود، سرعان ما انهزم البابليون بدورهم أمام الفرس الأخمينيين، الذين استولوا على بابل سنة 539 ق.م. ولأن هؤلاء الأخيرين كانوا ينتهجون سياسة التسامح الديني في تعاملهم مع الشعوب التي يستعمرونها، فقد سمحوا لليهود بالعودة إلى أرضهم بفلسطين وإعادة بناء الهيكل.

لم يرجع اليهود المنفيون كلهم إلى موطنهم الأصلي، بل أن جالية كبيرة منهم بقيت في العراق، وهي التي كان لها الفضل في الحفاظ على التراث اليهودي مصونا، خاصة أمام محاولات الاجتثاث المتكررة أو الإدماج القسري التي تعرض لها اليهود في فلسطين من طرف الإغريق أولا ثم من طرف الرومان. ولهذه الجالية يعود الفضل أيضا في جمع وتدوين جل النصوص الدينية القديمة التي كانت متداولة شفويا، أو ما يقابل السنة عند المسلمين، باستثناء وثيقة الوصايا العشر أو التوراة التي يعتقد أنها دونت منذ عهد موسى. ولصدفة التاريخ ، فإن منطقة العراق هي نفسها التي ستحتضن لاحقا تدوين جل التراث العربي والإسلامي لأول مرة في عهد الدولة العباسية.

لم يستطع اليهود العائدون من المنفى البابلي إلى فلسطين، إعادة الدولة اليهودية إلى سالف مجدها كما في عهد داوود وسليمان. وإذا كان للنزاعات والحروب الداخلية نصيب في ذلك، فإن وصول الإسكندر المقدوني إلى المنطقة سن 323 ق.م، سيلعب دورا حاسما في الحد من طموح اليهود إلى إقامة دولتهم المستقلة. وبالرغم من أن هذا الأخير قد أظهر تسامحا كبيرا مع الديانة اليهودية، ومع معتقدات كل الشعوب الأخرى التي واجهها في طريقه، إلا أن التصادم ما بين نمط التفكير الإغريقي ونمط التفكير اليهودي لم يمر من دون مشاكل. فقد أدى ذلك إلى انقسام اليهود فيما بينهم إلى عدة طوائف ومذاهب، أبرزها طائفة الحاصيديين hassidiques الذين تأثروا كثيرا بالحضارة الهيلينية، ودعوا إلى التعاون مع المستعمر الإغريقي ثم الروماني. وكان من نتائج هذا التعاون إقامة الدولة الأسمونية asmoniens تحت حماية الحكام الإغريق، ثم بالخصوص تنصيب الملك اليهودي هيرود العظيم سنة 37 ق.م، من طرف الرومان، وهو الذي يحمله المسيحيون مسؤولية صلب المسيح. ولكن لأن اليهود، كانوا من أكبر المتعصبين لديانتهم ولهويتهم، والأكثر استعصاءا على الإدماج والاحتواء، فإن المستعمر الروماني لم يستسغ ذلك وقام سنة 70 ميلادية، بتخريب أورشليم وهدم الهيكل للمرة الثانية، وتهجير كل اليهود الموجودين في المنطقة إلى أطراف الإمبراطورية. ومنذ ذلك العهد دخل اليهود في مرحلة الشتات أو الدياسبورا، التي دامت إلى حدود سنة 1948.

لكن اليهود على قلة عددهم، وضآلة دولتهم أمام ضخامة الإمبراطوريات التي عرفتها منطقة الشرق الأوسط، قد تركوا بصماتهم الثقافية مطبوعة على كل التاريخ الثقافي اللاحق للبشرية . فإليهم يعود الفضل في احتضان ورعاية الفكرة الدينية حول التوحيد، قبل أن يقتبسها عنهم المسيحيون ثم المسلمون، ويعممونها في سائر أرجاء المعمورة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mahaibia
عضو فعال
عضو فعال



المساهمات : 108
تاريخ التسجيل : 23/03/2008

لمعتقدات العبرانية أو اليهودية Empty
مُساهمةموضوع: رد: لمعتقدات العبرانية أو اليهودية   لمعتقدات العبرانية أو اليهودية I_icon_minitimeالسبت مارس 29 2008, 00:59

لم تظهر الديانة اليهودية في بدايتها دفعة واحدة أو في صيغة مكتملة. فما وصل إلينا عنها إنما جاء نتيجة لصيرورة طويلة من التطور والتفاعل مع المعتقدات والثقافات التي كانت موجودة في المنطقة. فالقبائل العبرانية التي كان إبراهيم ربما أحد شيوخها أو زعمائها، هي من القبائل السامية التي هاجرت من الجزيرة العربية في اتجاه بلاد الرافدين أو منطقة الشام، وبالتالي فهي كان لها نفس المميزات الثقافية والاجتماعية التي كانت لدى الشعوب السامية الأخرى كالبابليين أو الأشوريين مثلا. ومن ذلك أنها لم تعرف المرحلة الأمومية أو لم تعشها لمدة طويلة، وأنها انتقلت بشكل سريع إلى مجتمع الرعي، الذي من المعروف عليه أنه يعطي للرجل مرتبة ومسؤولية أكبر عما هو موجود عليه في المجتمعات الزراعية. ولهذا فإن معتقداتها جاءت مطبوعة منذ البداية بخاصيتين رئيسيتين: عبادة الآلهة السماوية كالشمس أو القمر أو الزهرة من جهة، وتقديس الأسلاف من جهة ثانية. ولأن العبرانيون احتكوا منذ البداية بالبابليين، الشعب الأكثر تحضرا آنذاك في المنطقة بجانب المصريين، فقد كان من الطبيعي، أن يتأثروا أو يقتبسوا عنهم العديد من تصوراتهم. فالميتولوجيا البابلية التي هي نفسها امتداد للمعتقدات السومرية، كانت قد وصلت إلى مستوى جد متطور من التعقيد والتجريد، ومن ذلك تصور إله سماوي هو إنليل، متعالي عن البشر وفي نفس الوقت عطوف ومتضامن معهم، وهو الذي وقف إلى جانبهم حين قررت الآلهة إطلاق الطوفان عليهم. هذا الإله نفسه هو الذي تجلى لإبراهيم وكلمه واعد إياه بمنحه هو وذريته، أرض كنعان أو فلسطين حاليا، مقابل أن يعبده هو وحده دون غيره من الآلهة. فهذا الإله رغم تعاطفه وحنوه المستمر على البشر، إلا أن هؤلاء كانوا دائما يخونون ويفسدون ويتجهون إلى آلهة أخرى غيره. ولهذا قرر هو أن تقتصر رحمته وعطفه على شعب واحد يختاره بنفسه، يودعه وصيته وتعاليمه ويتعاهد معه، على أن يلتزم هذا الشعب بالوفاء له وعبادته وحده. وقد كان هذا الشعب المختار هو شعب اسرائيل من ذرية إبراهيم وولده اسحق ثم يعقوب. وعربون التعاهد بين الطرفين هو الختان، الذي يجب أن يخضع له كل من دخل هذا الدين الجديد، مع العلم أن هذه العادة كانت منتشرة آنذاك عند شعوب أخرى. و تجدر الإشارة إلى أن اسم الإله إيل هو اسم منتشر عند كل الساميين: إنليل عند البابليين، وإيل عند الكنعانيين، ومنه ميخائيل أو عزرائيل أو جبريل عند العبرانيين. أما الإبداع اليهودي هنا فيتجلى في بلورة فكرة العهد أو التعاقد التي أبرمت بين إله عطوف ورحيم، لكنه قد يغضب أحيانا وينتقم بشدة، وبين زعيم باترياركي أو شيخ قبيلة هو إبراهيم. غير أن الفكرة نفسها لا يمكن فصلها عما سبق وأن صاغه مثلا حمورابي الملك البابلي حوالي القرن التاسع عشر، في شريعته المشهورة بشأن شروط التعاقد وإبرام المعاهدات في ميادين كالتجارة أو تدبير الأراضي أو حتى الشؤون الأسرية. التأثير الثاني الذي تعرضت له الديانة العبرانية، هو الذي تم في مصر. فجزء من أبناء يعقوب كيوسف وبعض إخوته مثلا كانوا قد استقروا بهذا البلد، ويقدر المؤرخون مدة مقامهم هناك حوالي أربعة قرون قبل أن يظهر موسى. وخلال هذه المرحلة عرفت مصر حكم أخناتون في القرن الرابع عشر ق.م، الذي يعتبر أول من نادى بالتوحيد. فهذا الأخير قد عاش في فترة كانت مصر منقسمة على نفسها بين أهل الجنوب الذين يعبدون الإله آتوم، وأهل الشمال الذين يعبدون الإله رع. ولتجاوز هذا الإنقسام أقدم أخناتون على توحيد الإلهين في إله واحد لكل المصريين هو أتون.

في هذا المناخ الثقافي نشأ موسى وقومه من العبرانيين قبل أن يرحلوا عن مصر. وأكيد أن فكرة توحيد كل الشعب لعبادة إله وحيد، لم تكن غريبة عنهم، فجدهم إبراهيم كان أخذ العهد من قبل على أن تبقى ذريته دائما موحدة في عبادتها لأله واحد. ولذلك فإن موسى لم يجد بدون شك صعوبة كبيرة في إقناع قومه بإيديولوجيته الدينية الجديدة القائمة على التركيب بين المعتقدات الإبراهيمية القديمة حول التعاقد مع الإله، والفكرة الأخناتونية الحديثة حول التوحيد. هذا الدين الجديد هو الذي جاءت صياغته مكتملة في نص "الوصايا العشر" أو التوراة التي عرضها موسى على قومه في جبل طور بسيناء.

التأثير الثالث الذي تعرضت له الديانة العبرانية، هو حين مجيء اليهود إلى أرض الميعاد أو بلاد كنعان، حيث وجدوا هناك قبائل أخرى من أبناء عمومتهم من الذين بقوا في المنطقة منذ عهد إبراهيم ، وقبائل فلستينية من شعوب جزر المتوسط، وبالخصوص القبائل الكنعانية الأكثر تجذرا في المنطقة والأكثر حضورا وتأثيرا من الناحية الثقافية و الدينية. فالديانة الكنعانية التي تدور حول عبادة بعل يرمز له بالثور أو العجل، وعبادة عناة إلهة الحب والخصوبة وغيرهما من الآلهة، قد كانت مترسخة في المنطقة، وذلك حتى بين العبرانيين كما هو واضح من حادثة تمرد بعضهم على موسى حين غيابه في جبل طور، وتحولهم إلى عبادة العجل الذهبي. ومن آلهة الكنعانيين أيضا الإله إيل أو أبو الآلهة، والذي أسقطه بعل وحل مكانه على العرش. هذا الإله كانت تشترك في عبادته أيضا قبائل أخرى من ساميي بلاد الشام بالإضافة إلى الكنعانيين. ومنهم العبرانيون من الذين بقوا مستقرين في المنطقة ولم يرحلوا إلى مصر. ويعتقد أن يهوه كان هو المقابل للإله إيل عند هؤلاء، قبل أن يحوله موسى إلى الإله القومي لليهود ويرفعه إلى مرتبة أعلى في سلم الآلهة. فالعبرانيون لأنهم كانوا رعاة وبدو، لم يستطيعوا أن يؤثروا بسهولة في معتقدات السكان الأصليين الأكثر تحضرا وتمدنا منهم حتى بعد أن استعمروا المنطقة وفرضوا سيطرتهم عليها. ولذلك بقيت عبادة بعل وعناة، وما يصاحب ذلك من طقوس التضحية أحيانا بالآدميين بالنسبة للإله الأول، وطقوس التهتك والإباحية الجنسية بالنسبة للإلهة الثانية، منتشرة في المنطقة. حتى أن سليمان نفسه مثلا، الذي كانت له 700 جارية و300 امرأة اقتناهن من خلال الحروب أو المعاهدات التي كان يبرمها مع الشعوب المجاورة، قد سمح لنساءه بأن يستمرن في عبادة آلهتن الخاصة، وإقامة معابد لها في قلب أورشليم وبجانب الهيكل. بل أكثر من هذا، أنه في كل مرة كان يضعف فيها مركز الدولة اليهودية، ينقلب عدد من العبرانيين إلى الآلهة الكنعانيين، وخاصة عناة التي بقيت عقدة دائمة بالنسبة للمعتقدات اليهودية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mahaibia
عضو فعال
عضو فعال



المساهمات : 108
تاريخ التسجيل : 23/03/2008

لمعتقدات العبرانية أو اليهودية Empty
مُساهمةموضوع: رد: لمعتقدات العبرانية أو اليهودية   لمعتقدات العبرانية أو اليهودية I_icon_minitimeالسبت مارس 29 2008, 01:00

انت الميتولوجيا اليهودية جد بسيطة في بدايتها. فنمط التفكير اليهودي البدوي لم يستوعب وجود كل ذلك الحشد من الآلهة، ومن العلاقات المركبة والمعقدة بينها. ولكنه أمام التحدي الذي طرحته الميتولوجيا الكنعانية، كان لابد لليهود أن يبدعوا ويبتكروا ما يساعدهم على مواجهة هذه الأخيرة. ومن هنا بدأت تتبلور ميتولوجيا يهودية خاصة، هي التي سيرثها عنهم المسيحيون ثم المسلمون.

تتابع ظهور سلسلة من الأنبياء والمبشرين اليهود ما بين القرن الثاني عشر والقرن الرابع ق.م، مثل إليشع وإيريميا ويحيى وزكريا … بالإضافة إلى الملكين داوود وسليمان، كلهم جاؤوا برؤى جديدة وبإبداعات ميتولوجية يردون بها على الكنعانيين، ويحثون بها قومهم على عدم الإبتعاد عن معتقدات أجدادهم. انطلقت هذه الميتولوجيا الجديدة من نفس المنطلقات الأولى التي قامت عليها معتقدات المنطقة فيما يخص خلق الكون ونشأته. ففي البدء لم تكن غير المياه الأولية وفوقها روح الله ترفرف. وأن الله قرر أن يخلق العالم في ستة أيام ويستريح في اليوم السابع، وكانت الملائكة من بين أولى مخلوقاته. وهذا لا يختلف في جانب منه عما قام به بعض كبار الآلهة عند الشعوب الأخرى. فالإله ألالو عند الحوريين مثلا، قد خلق هو أيضا مجمعا من الآلهة مثلما خلق يهوه مجمعا من الملائكة. غير أن اليهود أعادوا صياغة هذا المعتقد الحوري الأصلي بأن حذفوا الجزء الذي يحكي عن الصراع بين الإله ألالو كرمز للخير وبيتون إله الشر، وجعلوا من يهوه إلها لا تنافسه أية قوة أخرى. أي أن اليهود إذ رفعوا من مرتبة إلههم، أحطوا من مستوى إله الشر وجعلوه في الدرجة الثانية بعد يهوه. ومن المعروف أن آلهة الشر عند شعوب المنطقة قد حملت أسماء أو رموز مختلفة، وكثيرا ما مثل الشر بالمياه الأولية أو بالأفعى أو التنين أو المرأة. وقد جاء الإبداع اليهودي في هذا المجال مركبا من عدة صور: أن يكون إله الشر من الآلهة الذكور، مثل بيتون عند الحوريين أو يام عند الكنعانيين… وفي هذا الإطار يعتقد أن اسم الشيطان في العبرية الذي هو صامائيل، قد كان إسما ربما لأحد الملوك أو الآلهة الحوريين. أو أن يرمز له بالمرأة كالإلهة تيامات عند البابليين، وفي الرواية اليهودية، أن حواء قد تحالفت مع االشيطان في قصة آدم والتفاحة ، أو يرمز له بالحية، إذ أن بيتون نفسه شيطان الحوريين أو يام الكنعاني كانا يظهران في شكل حية، ومن المعروف أن شيطان العبرانيين قد اتخذ هو أيضا صفة حية حين قام بإغراء حواء بأكل التفاحة.

ما قام به اليهود إذن، هو أن تخيلوا مجمعا من الملائكة تحت إمرة الإله الخالق يهوه، يأتي في مقدمتهم كل من ميخائيل كبير الملائكة وعزرائيل ملك الموت، وجبريل مبعوث الله. وقد كان صامائيل واحد من هؤلاء الملائكة البارزين، غير أنه تمرد على يهوه وأراد أن يقيس نفسه به، فعاقبه هذا الأخير بطرده من الجنة، هو وذريته من الشياطين والكائنات الروحانية الأخرى الشريرة من العفاريت والغيلان الذين تحالفوا معه.

غير أن الإبداع الآخر على مستوى قصة الخلق الذي أنجزه اليهود، هو التقريب بين الإله الخالق والإنسان، وإضفاء طابع حميمي على العلاقة بينهما. فإذا كانت الآلهة السابقة عند البابليين والسومريين قد خلقت الإنسان فقط ليخدمها ويحمل عنها أتعاب العمل، فإن يهوه قد أراد من خلق آدم أن يكون على صورته ودليل على عظمته، فزاد من شأنه ومرتبته وعلمه الأسماء، وهذا ما أثار غيرة الشيطان ودفعه للإنتقام منه بتوظيف حواء ضده. وتتكرر كثيرا في الأسطورة اليهودية صور التناقض والانقلاب في العلاقة بين الإله والإنسان، إذ هو مرة عطوف ورحيم جدا، ومرة أخرى غاضب وشديد العقاب. فالإنسان رغم القيمة والنعمة التي يمنحها له يهوه، سرعان ما يصير جحودا وناكرا للعرفان، ولذلك يعاقبه يهوه على أفعاله الشريرة. فهو قد شرف آدم في الجنة، ولكن لأن هذا الأخير قد اقترف خطيئة الأكل من شجرة المعرفة، عاقبه يهوه بطرده إلى الأرض. ثم لأنه أشفق عليه بعد ذلك، فقد سخر له النبات والحيوان ليعيش به. وإذ يعود هذا الأخير مرة أخرى للطغيان والفساد، يسلط عليه يهوه الطوفان الذي لا ينجو منه غير نوح وأولاده. وتتكرر هذه الثنائية في كل التراث اليهودي، حتى أنها أصبحت المفتاح الذي يقرأ بها اليهود كل تاريخهم. فاليهودية بتقريبها بين الإله والإنسان، أضفت على هذا الأخير طابعا أكثر إنسانية عما كانت عليه الآلهة عند الشعوب الأخرى. ومما يرمز إلى ذلك مثلا، تحويل التضحية بالآدميين التي كانت تمارسها بعض شعوب المنطقة، إلى التضحية فقط بالكبش كما في قصة ابراهيم وابنه اسحق. ولذلك هي تعتبر من أول من أبدع النزعة الإنسانية في المعتقد الديني، أي جعل الإنسان في مركز الاهتمام. غير أن هذه النزعة عند اليهود تبقى مؤطرة ومشترطة بالإرادة الإلهية، وليس على الإنسان لكي يحقق إنسانيته سوى الخضوع لهذه الأخيرة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mahaibia
عضو فعال
عضو فعال



المساهمات : 108
تاريخ التسجيل : 23/03/2008

لمعتقدات العبرانية أو اليهودية Empty
مُساهمةموضوع: رد: لمعتقدات العبرانية أو اليهودية   لمعتقدات العبرانية أو اليهودية I_icon_minitimeالسبت مارس 29 2008, 01:01

لتأثير الرابع الذي ستتعرض له الديانة اليهودية، سيحدث بعد القرن السادس ق.م. ففي هذا الفترة سيهاجم الأشوريون القادمون من سوريا، مملكة إسرائيل في الشمال ويضموها إلى امبراطوريتهم. ثم لا يلبث الملك البابلي نبوخذ ناصر، بأن يستولي على ما تبقى من وطن اليهود، أي دولة يهودا في الجنوب، ويسبي عددا كبيرا من سكانها خاصة من النخبة السياسية والدينية، فينقلهم إلى بابل. وستكون هذه العناصر الأخيرة هي النواة لظهور نشاط ديني وثقافي في المنفى، حتى ولو أن جزءا منهم عاد إلى أورشليم بعد انتهاء مرحلة السبي البابلي. فقد كان على اليهود حتى يحافظوا على تماسكهم القومي والديني، أن يتواجهوا مع المعتقدات التي كانت سائدة في بابل، وقد برز النبي دانيال كأحد الوجوه البارزة التي عملت على إحياء وإعادة صياغة التراث الديني اليهودي في تلك المرحلة.

لم تكن المعتقدات البابلية في حد ذاتها، هي التحدي الأخطر الذي واجه اليهود في تلك المنطقة، فهم كانوا على إطلاع وإلمام بها منذ زمن بعيد، وقد سبق أن اقتبسوا منها العديد من تصوراتهم، كفكرة الجنة مثلا أو صنع آدم من طين أو قصة الطوفان … ألخ، ولكن التحدي سيأتيهم من عند الفرس بعد احتلالهم لبابل، ومن ديانتهم الزرادشتية أو المزدكية، التي جاءت بميتولوجيا مختلفة جذريا عما آلفوه لحد تلك اللحظة.

فقد اقترحت هذه الأخيرة من بين ما اقترحته، إبداعين دينين أساسيين:

الأول هو اختزال كل الصراعات أو القوى التي تتواجه في الكون إلى ثنائية واحدة هي الصراع بين الخير والشر أو بين النور والظلام. وهذا يبدو من الوهلة الأولى، أنه يطابق ما تذهب إليه اليهودية في إشارتها إلى تمرد صامائيل على يهوه ومحاولة التطاول عليه. غير أن الفرق يبقى كبيرا بين الديانتين، سواء في العلاقة بين الإله والشيطان أو بين الإله والإنسان. ففي المعتقد الفارسي يظهر الإله أهورامزدا كسيد للكون، وكما يحدث ليهوه، حدث لهذا الأخير أن حاول إله الشر أهريمان التمرد عليه، غير أن إله الفرس عوض أن يضع حدا لنشاط هذا الأخير أو يعاقبه، تركه يفعل ما يشاء في الكون من إفساد ونشر للظلام. ولكنه في المقابل، يخلق إلها آخر على صورته يرمز للخير والنور هو مازدا لمواجهته. فالصراع يدور بين أهريمان ومازدا، في حين يبقى أهورا الإله الأكبر، متعاليا ومتواريا عن الأنظار. ولقد كان في إمكان اليهود مثلا أن يبدعوا ما يقابل الإله مازدا، ويتركوا يهوه متعاليا أو مترفعا عن منازلة الشيطان، وكان يمكن للملك ميخائيل مثلا باعتباره رئيس الملائكة ، أن يلعب هذا الدور. لكن بالتأكيد أن العلاقة الحميمية بين يهوه واليهود التي قامت على أساسها الديانة اليهودية، لم تسمح بهذا التعالي والتباعد الإلهي عنهم، ولهذا اقتصر التأثير الفارسي في هذا المجال، في تكريس وترسيخ دور الشيطان في المعتقدات اليهودية أكثر من قبل، وجعل حضوره ملازما للإنسان في أدق تفاصيل حياته، بل وفي جزء من كيانه الداخلي.

ثانيا أن الديانة الفارسية، حين تركت الشيطان أهريمان يفعل ما يشاء في هذه الدنيا ، وتركت الإنسان وجها لوجه معه، أي له كامل الحرية بين أن يتبع هذا الأخير أو يتبع إله الخير مازدا، أو بعبارة أخرى الحرية في اختيار طريق الشر أو طريق الخير، وضعت في المقابل فكرة العقاب والثواب، وفكرة يوم الحساب والبعث. فالإنسان حر في أفعاله في هذه الدنيا، ولكنه سيحاسب على أفعاله في الآخرة، ويمر فوق الصراط المستقيم لينال الجزاء الذي يستحق.

هذه الفكرة كانت أقوى حجة وأكثر إقناعا مما تقترحه الديانة اليهودية في هذا المجال. فهذه الأخيرة قد بنت كل ميتولوجيتها على فكرة العهد الذي أبرمه يهوه مع شعب اسرائيل باعتباره يمثل كتلة واحدة، وليس كأفراد مسؤولين كل واحد عن نفسه. فالفرد قد يعاقب عل خطيئة اقترفتها الجماعة وحتى ولو كان هو بريئا منها. وحين لا يكون هناك اعتراف بالفرد، لا يبقى هناك أصلا مجالا للاختيار أو المسؤولية الفردية. بل الأكثر من ذلك، أن هذا العهد لا يعني غير اليهود وحدهم، وهم الوحيدون الذين يمكن أن تشملهم رحمة يهوه وعطفه. أما الشعوب الأخرى فهي أعداء ليهوه، وفي أحسن الأحوال قد يرضى عنها إن هي أحسنت التعامل مع شعب إسرائيل.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mahaibia
عضو فعال
عضو فعال



المساهمات : 108
تاريخ التسجيل : 23/03/2008

لمعتقدات العبرانية أو اليهودية Empty
مُساهمةموضوع: رد: لمعتقدات العبرانية أو اليهودية   لمعتقدات العبرانية أو اليهودية I_icon_minitimeالسبت مارس 29 2008, 01:02

إن اليهودية ستجد نفسها لأول مرة أمام إيديولوجية أقوى منها وأمتن بناءا، تقوم على فكرة وحدانية الله ولكن بالخصوص على عالميته . فإله زرادشت لم يكن يميز بين شعب وآخر، ولا يضع شروطا عرقية أو جنسية لمن يريد أن يتبعه ويعبده. وستجد اليهودية هنا نفسها عاجزة عن حل هذه المعضلة ، أو تحقيق أي توافق أو تكييف مع هذه الفكرة الأخيرة. سيكون ذلك بمثابة هزة تصيب اليهودية في الصميم، إذ سرعان ما سينتقل النقاش حول قضايا مثل قومية الله أو عالميته ، وقضايا الجبر والقدر، والعقاب والثواب، والمسؤولية والحرية …ألخ، إلى وسط المثقفين اليهود أنفسهم، وهو ما سينتج عنه ظهور مذاهب وطوائف تتصارع فيما بينها، سيصل الأمر ببعضها إلى حد الانفصال النهائي عن اليهودية كما سنرى لاحقا.

ولكن لن تكون تلك الأزمة هي الوحيدة التي تصيب اليهودية، بل كان هناك خطرا أعظم ينتظرها هذه المرة من جهة الغرب، هو ما ستمثله الثقافة الهيلينية التي حملها معه الاسكندر المقدوني إلى المنطقة. والتي ستمثل التحدي أو التأثير الخامس الذي تعرضت له اليهودية.

ففي سنة 323 ق.م، اجتاح الاسكندر كل المنطقة، وبعد موته انقسم خلفاءه فيما بينهم ليؤسسوا عدة دول مستقلة أهمها: دولة البطالمة في مصر وعاصتمها الاسكندرية، والدولة السيلوسية séleucides في العراق والشام وعاصمتها سيلوسيا قرب بابل، ثم لاحقا أنطاكية على الساحل الشرقي للمتوسط. وقد انتقل عدد كبير من علماء وفلاسفة الإغريق إلى هذه المدن الجديدة حاملين معهم كل التراث الهيليني الذي تختلف منطلقاته جذريا عن منطلقات اليهودية.

كانت الفلسفة الإغريقية قد بلغت أوجها آنذاك، حين بدأ الاحتلال الإغريقي للمنطقة، وكان العقل يحتل مركزا أساسيا في نمط التفكير الهيليني. ورغم أن المستوطنين الإغريق قد حملوا معهم أيضا بعضا من معتقداتهم الدينية الخاصة القائمة على عبادة زيوس والآلهة المشاركة له، إلا أن نظرتهم إلى آلهتهم تختلف عن نظرة اليهود. فهم لا يرون في هذه الأخيرة أكثر من كائنات، قدراتها وإن كانت تفوق قدرات الإنسان، إلا أنها غير مطلقة. فزيوس رغم قوته وجبروته، يبقى نفسه مضطرا للخضوع لنواميس الكون المطلقة. وهذا نقيض لما عليه الحال ليهوه الذي يملك القدرة المطلقة وغير المحدودة. غير أن الإغريق إذ يحطوا من شأن آلهتهم، فلكي يرفعوا في المقابل من قيمة العقل ويجعلوا منه البوصلة التي توجه الإنسان في حياته. فلا خلاص لهذا الأخير في نظرهم إلا باستخدام العقل، ولن يعول على الآلهة في ذلك. فهو موضوع أمام مصيره وسلاحه الوحيد العقل وبالتالي الفلسفة والعلوم.

وبهذه الأسلحة الفكرية الجديدة لم يجد المثقفون الهيلينيون صعوبة في دحض الكثير من الأساطير والوقائع الخيالية التي تحفل بها التوراة والنصوص الدينية اليهودية الأخرى، والبرهنة عقليا على أنها من المستحيلات.

لقد وجدت الديانة اليهودية نفسها في ظرف وجيز، أمام تحديين لا يقل أحدهما خطرا عن الآخر. التحدي الفارسي القادم من الشرق، وهو الذي أصابها بالخصوص في جانبها الروحاني، ثم التحدي الإغريقي والذي تفوق عليها في الجانب العقلي والحجاجي. وكانت النتيجة أن تسربت العديد من هذه التصورات الجديدة إلى قلب الديانة اليهودية، لتظهر مذاهب واتجاهات من داخلها، تتراوح أطروحاتها بين الانحياز الواضح إلى النمط العقلي الهيليني، وبين الانحياز إلى الروحانيات الفارسية. وفيما بين الطرفين، هناك من بقي يحاول أن يجد صيغة توفيقية مع هذه الجهة أو تلك. فخلال العقود القليلة قبل ميلاد المسيح، وجد اليهود أنفسهم منقسمين ما بين التيارات االرئيسية الثلاث:

من جهة هناك الحاصيديون ، وهم فئة تمثل النخبة والأغنياء اليهود تحت الحكم الإغريقي والروماني لفلسطين، وهؤلاء تأثروا بالثقافة بالثقافة الهيلينية، ودعوا إلى تنقية اليهودية من كل المعتقدات والأساطير التي لا تطابق العقل. وفي هذا الإطار لم يقبلوا الإلتزام أو الإعتراف بغير النص الديني المكتوب، أي توراة موسى، رافضين باقي النصوص والأسفار الأخرى التي تنسب إلى الأنبياء والرهبان اللاحقين، والتي كانت لا تزال تتداول شفويا لحدود تلك المرحلة. ويذكرنا هذا بموقف العقليين في الإسلام والمعتزلة منهم بالخصوص، من السنة النبوية.

ثم هناك الفاريزيون pharisiens، الذين بقوا متمسكين بكل التراث، المكتوب منه والمروي شفويا، وبالقراءة الحرفية لهذا التراث. وهذا كان موقف أغلبية الفئات الشعبية من اليهود. ولا يختلف هذا كثيرا أيضا عن موقف عامة المسلمين من السنة ومن التمسك الحرفي بالنصوص.

ثم هناك الزيلوتيون zélotes وهم طائفة، بالإضافة إلى تعصبهم الشديد للتراث اليهودي، أضفوا نفحة قومية وجهادية على معتقداتهم ودعوا إلى المقاومة المسلحة ضد المستعمرين. وقد يكون الخوارج في الإسلام الأقرب إلى هذه الطائفة. ثم هناك الأسينيون، وهم طائفة يعتقد أنها عاشوا في الصحراء قرب البحر الميت هربا من المستعمرين. وقد عثر سنة 1947 على نصوص لهم محفوظة منذ القرن الأول ميلادي. وهذه الأخيرة تكشف عن مستوى النقاش ونوعية القضايا التي كانت متداولة في تلك الفترة، أي في القرنين اللذين سبقا الميلاد. ومما أثار الانتباه في هذه النصوص، الحديث المتكرر عن المسيح المنتظر الذي سيظهر وسط الشعب اليهودي ليخلصه.

وللإشارة هنا ، أن فكرة المسيح لم تكن غريبة عن التراث اليهودي، ففي القرن العاشر ق.م، حين تنصيب أول ملك على إسرائيل: شاوول الذي جاء قبل داوود، أمر الله النبي إليشع أن يمسح رأس الملك بالزيت كتعبير منه عن منحه بركته. وقد عادت الفكرة بعد ذلك، لتتكرر كثيرا على لسان الأنبياء والعرافين بعد السبي البابلي، مبشرة بمجيء مخلص أو مسيح يبعثه الله ليجمع شمل إسرائيل من جديد. ولكن فكرة المسيح لم تكن محتكرة على اليهود وحدهم، فالزرادشتية أيضا، تتحدث عن مجيء منقذ في آخر الزمان، سيبعثه أهورا ليحارب أهريمان رمز الشر والظلام وينتصر عليه، وبالتالي يعود النور ليعم الكون. وأكيد أن اليهود قد وجدوا في هذه الفكرة ما يشبه فكرة المسيح عندهم، فشجع ذلك البعض منهم، في إطار التأويلات والقراءات الجديدة التي خضع لها التراث اليهودي آنذاك، على جعلها هي المحور في صياغتهم للدين القديم. فقد برزت فكرة المسيح أولا بقوة، عند الأسينيين، أي حوالي قرنين على الأقل ق.م، ثم نضجت مع مجيء عيسى بن مريم، لتكون هي الجناحان اللذان سيحلق بهما المعتقد الديني القديم لليهودية خارج الدائرة الضيقة للقومية اليهودية، وخارج الفضاء الجغرافي المحدود لبلاد كنعان أو أرض الميعاد. فمن صلب اليهودية، وتحت الضغط الذي مورس عليها من طرف الفرس و الإغريق، ستخرج المسيحية كصيغة تحاول التركيب أو التوفيق بين هذه المعتقدات كلها. ثم أنه حين لم تقنع هذه التوفيقية، كل الشعوب الموجودة بالمنطقة، ستظهر صيغة أخرى من نفس العائلة الثقافية اليهودية المسيحية، لكن هذه المرة، من وسط الجزيرة العربية ستكون هي الإسلام.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
لمعتقدات العبرانية أو اليهودية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
العقل و المنطق :: منتدى العقل العام :: الاديان و العقائد-
انتقل الى: